إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز - النورسي

بديع الزمان سعيد النورسي

Text

PDF

ذلك الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ )
مقدمة
C
اعلم ان من اساس البلاغة الذي به يبرق حسن الكلام تجاوب الهيئات وتداعي القيود وتآخذها على المقصد الأصلي، وامداد كل بقدر الطاقة للمقصد، الذي هو كمجمع الاودية او الحوض المتشرب من الجوانب، بأن تكون مصداقاً وتمثالاً لما قيل:
المستفاد
-
عباراتنا شتى وحسنك واحد وَكُلٌّ إِلَى ذَاكَ الجمال يشير
من
التقليل بسر
مساله
مثلا : تأمل في آية وَلَئِن مستهم نفحة مِن عَذَابِ ربِّكَ ) (۱) المسوقة للتهويل انعكاس الضد من الضد . أفلا ترى التشكيك في ( إن ) كيف يمد التقليل، والمس بدل الاصابة في ( مست ) كيف يشير الى القلة والتروح فقط، والمرتية والتحقير في جوهر وصيغة وتنوين (نفحة ) كيف تلوح بالقلة، والبعضية في ( من ) كيف تومي إليها ، وتبديل النكال بالـ (عذاب) كيف يرمز اليها، والشفقة المستفادة من الـ ( رب كيف تشير اليها، وقس ؟!.. فكل يمد المقصد بجهته الخاصة. وقس على هذه الآية أخواتها. وبالخاصة السم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين لأن هذه الآية ذكرت لمدح القرآن واثبات الكمال له.
ولقد تجاوب وتآخذ على هذا المقـصـد : القسم بـ «الــم» على وجه، واشارة ذلك ومحسوسيته وبعديته، والألف واللام فى ( الكتاب»، وتوجيه اثباته بـ لا ريب فيه . فكل كما يمد المقصد ويلقي إليه حصته يرمز ويشف من تحته عن ما يستند اليه من الدليل وإن دقّ.
فان شئت تأمل في القسم بـالم إذ إنه كما يؤكد، كذلك يشعر بالتعظيم الموجه للنظر الموجب لانكشاف ماتحته من اللطائف المذكورة ليبرهن على الدعوى
المرموز اليها .
(۱) سورة الانبياء: ٤٦