الإعجاز في دراسات السابقين دراسة كاشفة لخصائص البلاغة العربية ومعاييرها

عبد الكريم الخطيب

Text

PDF

ذلك الكتاب لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ » (١).
وما كانت القوانين فى ذاتها - وضعية أو سماوية ما كانت « هدى )
-
إلا لأنه يقوم من ورائها سلطان مادى خارج عنها ، أو نفسى منبعث منها ، يقيم الناس عليها ، ويأخذهم بأحكامها ، كزها أو طوعاً . .
***
أحسب أنى ربما أكون قد أسرفت في توضيح هذا المعنى ، ولكن أرجو ألا يحسب ذلك على أنه سوء ظن بفهم القارىء . . وإنما هو أسلوب من البيان. القرآني في عرض الحقائق ذات الأثر والخطر، عرضاً كاشفاً ، وذلك بتكرار عرضها في صور متعددة ، ليتقرر معناها ، ويرسخ مضمونها في النفس ، فتقوى دوافع العمل بها ، وتشتد نوازع الثبات عليها ، والتعلق بها .
والمعجزة القرآنية معجزة خالدة أبد الدهر ، تصحب المسلمين أينما كانوا وحينما وجدوا ، ولكن جرى أمر المسلمين مع القرآن على غير هذا النحو ، إذ صرفوا وجوههم عن معجزاته وإنجازه ، وصحبوه هكذا . . كلاما يردد على الأفواه كما تردد الأدعية والتعاويذ ! !
أفليس هذا مما يخزن له المسلم ويكرب منه ؟ بل ويطول له حزنه وكربه ؟ وأليس هذا مما يحمل المسلم على أن يفكر ، بل ويطيل التفكير في التماس وجه للتحول عن هذه الحال التي صار فيها القرآن كلاماً يتردد على الأفواه ، ويمر على
الآذان ، دون أن يخلف فى القلب أثراً ، أو يحدث في النفس ذكراً !! ، فإن الغفلة عن هذا الأمر ، أو السكوت عليه ، معناه الاستخفاف بالعقيدة ، والاستهانة بها ، بل والانخلاع عنها .. إذ لا عقيدة لمسلم بغير هذا القرآن ، ولا قرآن
(۱) سورة البقرة : ٢
.6