Text

PDF

i
روحه، ونور ضريحه يقول : إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة. قال : وقال لي مرة: ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري أين رحت فهي معي لا تفارقني أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة.
"
،
وكان في حبسه في القلعة يقول : لو بذلت ملء هذه القلعة ذهبا ما عدل عندي شكر هذه النعمة - أو قال ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير - ونحو هذا .
:
وقال مرة : المحبوس من حبس قلبه عن ربه والمأسور من أسره هواه. قال شيخنا وعلم الله ما رأيت أحدا أطيب عيشا منه قط، مع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرجاف وهو مع ذلك أطيب الناس عيشا وأشرحهم صدرا، وأقواهم ،قلبا وأسرهم نفسا تلوح نضرة النعيم على وجهه، وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت بنا الظنون، وضاقت بنا الأرض أتيناه، فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب عنا ذلك كله، وينقلب انشراحا وقوة ويقينا وطمأنينة. فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه وفتح لهم أبوابها في دار العمل، فأتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها، والمسابقة
إليها (١) .
6
فهذا الكلام المروى عن شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام ابن تيمية الذي يتحدث به عن نفسه والذي يصفه به تلميذه شمس الدين أبو عبدالله ابن القيم فيه وصف بليغ لما كان يتصف به ابن تيمية من الإيمان الراسخ واليقين الصادق والصبر على المكاره والرضا بقضاء الله وقدره، والزهد في الدنيا، فهو لا يبالي بما يدبره له أعداؤه فالسجن الذي يخشاه الناس عادة هو عنده خلوة بربه، فهو فرصة كبيرة لعبادة الله جل وعلا، حيث
(۱) ذيل طبقات الحنابلة ٤٠٢/٤ - ٤٠٣ .
111